منصة تاء

 

 

كان الشاعر العربي أبو العلاء المعري يحمل لقب “رهين المحبسين” أي محبس العمى ومحبس البيت، ومع ذلك فقد ذاع صيته في كل الدنيا حتى صار أحد ألمع شعراء العرب في كل العصور، وفي كل بقعة عربية وفي كل زمان تظل المحابس تلاحق المبدعين الذين يقرونها ليضعوا بصمتهم في الحياة، وهكذا هي الناشطة المجتمعية “مسك المقرمي” التي لمع اسمها وذاع صيتها كواحدة من رواد التغيير والمدنية في المجتمع اليمني، على الرغم من كونها رهينة المحبسين أيضا، فهي “امرأة” في مجتمع تقليدي ينظر للمرأة باعتبارها ناقصة، وهي قبل ذلك “مهمشة” من أبناء فئة المهمشين داخل المجتمع اليمني.

كونها “امرأة” فإن ذلك لم يقف عائقا أمام الشابة “مسك المقرمي” من تحمل مسؤوليتها في الدفاع عن أبناء جلدتها من فئة المهمشين في مواجهة السلوك العنصري الذي يمارسه المجتمع والدولة أيضا بحق أبناء هذه الفئة من اليمنيين، فكانت “مسك” من القلة القليلة من فئة المهمشين الذين الحتقوا بالتعليم، واقتحموا مضمار العمل المدني بقوة، لتجعل من قضية المهمشين قضيتها التي حملتها على عاتقها وأوصلتها إلى كل المحافل.

في عزلة المقارمة التابعة لمديرية الشمايتين بريف تعز الجنوبي ولدت “مسك المقرمي” وعاشت طفولتها وتلقت تعليمها الأولي هناك، حيث قضت مراحل عمرها الأولى مع أسرتها ضمن التجمعات السكانية لفئة المهمشين في مديرية الشمايتين، وعلى عكس أقرانها من أبناء فئتها فقد تحدت كل الظروف والتحديات من أجل مواصلة التعليم، إيمانا منها أن تعليمها سيكون الركيزة الأولى في تحقيق حلمها بإحداث تغيير جذري في اطار النظرة المجتمعية لفئة المهمشين، والتي هي بالتأكيد نظرة ازدراء تحوي كل أشكال السلوك العنصري.

بعد أن أنهت دراسة الثانوية في مديرية الشمايتين وجدت “مسك” نفسها مضطرة للانتقال إلأى مدينة تعز من أجل الالتحاق بالتعليم الجامعي، فانتقلت للسكن في تجمع سكاني لأبناء فئة المهمشين في منطقة الضبوعة وسط مدينة تعز، وهو الأمر الذي ساعدها على الالتحاق بالجامعة والدراسة فيها، وهي بذلك تكاد أن تكون المرأة الوحيدة من المهمشات التي تدرس في الجامعة.

في العام 2008 كانت “مسك المقرمي” تحتفل بتخرجها من قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة تعز، ليكون ذلك محطة هامة في مسيرة تحصيلها العلمي الذي سيستمر في علوم وتخصصات أخرى، حيث حصلت لاحقا وتحديدا في 2014 على شهادة اتمام دبلوم في اللغة الإنجليزية وكذا دبلوم تنمية بشرية.

تقول الناشطة “مسك المقرمي” في حديثها مع “منصة تاء” تجاوزت التهميش بعلمي وبدعم أسرتي لي، وخاصة والدي الذي جاهد واغترب من أجل تأمين تعليم أنا واخوتي، أما الصعاب والعقبات التي تجاوزتها فهي كثيرة جدا، أهمها العنصرية التي يتم ممارستها ضد النساء وخاصة المرأة المهمشة، فهي تعاني التمييز المركب عليها وخاصة في الأرياف، فالمرأة المهمشة محرومة من التعليم وتكون النظرة الدونية لها أكبر من غيرها، لذا لابد للمرأة السمراء أن تدرس وتجتهد لتحصل على التفوق والامتياز برغم كل الصعوبات والتحديات”.

في العام 2014 أيضا قامت “المقرمي” بتتويج نضالها في اطار المجتمع المدني بإنشاء جمعية كفاية للتنمية الاجتماعية والتي تشغل منصب رئيستها، حيث تنشط الجمعية في الدفاع عن فئة المهمشين وتبني قضاياهم وإيصال صوتهم إلى المختصين، ومن خلال هذه الجمعية استطاعت لفت الأنظار إلى قضايا كثيرة من قضايا المهمشين، كما تشغل عدد من المناصب القيادية في إطار المجتمع المدني، وأبرزها القطاع النسوي في مؤسسة الغذاء من أجل الانسانية، ومديرة مركز الوعي للتنمية، ورئيسة دائرة المرأة في ملتقى تعز الجامع، وغيرها من الجمعيات والمبادرات.

في هذا السياق تقول “المقرمي”أهم العقبات التي واجهتها هو أن أكون ناشطة حقوقية أدافع عن المرأة السمراء في وجه الانتهاكات التي تتعرض لها، خاصة في ظل غياب مؤسسات الدولة، فهذا الأمر جعلني أتعرض لأسوأ المواقف التي نجحت في تجاوزها بمناصرة الجميع لي، حيث أنشأت جمعية خاصة بتنمية النساء المهمشات، وكنت أظن أني سأحظى بالدعم من مكتب الشؤون الاجتماعية والمنظمات الدولية لتنفيذ الكثير من الأنشطة التي تخدم فئتي، لكني لم أحصل على أي دعم، ومع ذلك تجاوزت هذه العقبة بالتشبيك مع الكثير من المنظمات المحلية وفاعلي الخير الذين شاركوني في الكثير من المشاريع نتيجة ثقتهم بي”.

أخذت “المقرمي” على عاتقها مسؤولية الدفاع عن فئة المهمشين وخاصة النساء كونهن الأكثر تعرضا للانتهاكات، فعملت في الدفاع عن الفقراء والنساء المهمشات في المحاكم والنيابات، وإيجاد الحماية القانونية لهن، بالإضافة إلى رصد جميع الانتهاكات التي تطال المهمشين وخاصة من فئة النساء، كما عملت أيضا عبر التشبيك مع اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان على توفير الحماية للنساء المهمشات اللواتي تطالهن الانتهاكات.

لم يكن الدفاع عن المهمشات أمرا كافيا من وجهة نظر “المقرمي” التي عملت أيضا على دمجهن في اطار المجتمع من خلال عدد من البرامج، مثل برنامج تمكين النساء المهمشات واكسابهن حرفة صناعة البخور والعطور، وحرفة النقش، كما ساهمت عبر التشبيك مع عدد من المنظمات المحلية والدولية في توفير الكثير من المشاريع الخدمية لمجتمع المهمشين.
كما أولت قضية التعليم أهمية خاصة في مسيرتها الحقوقية من خلال حث أبناء فئة المهمشين على اكمال تعليمهم والتشبيك مع المدارس والجامعات والجمعيات الداعمة لدعم مجانية تعليم هذه الفئة وتقديم الدعم اللازم لها بما يساهم على تذليل الصعوبات والتحديات التي تقف عائقة أمام التحاق المهمشين بالتعليم وإكمال مراحله.

 

من وجهة نظر “المقرمي” فإنه يجب أن يلعب المهمشون دورا في تنمية أنفسهم بأنفسهم، عبر الاهتمام بالتعليم المكثف لأبنائهم، ولابد أن يمنعوا أبناءهم من التسول ويهتموا بنظافة أسرهم وأحيائهم وأن يتخلوا عن الأعمال الدونية التي تساهم في زيادة عزلتهم وتمنع دمجهم في المجتمع، أما أهم عامل لعملية دمجهم في المجتمع فهو التعليم الذي يمكنهم من تقلد المناصب، وهذا يعد أهم وسائل دمجهم في المجتمع، كما أن المجتمع أيضا مطالب بأن يلعب دورا في عملية دمج المهمشين في إطاره، وهذا يأتي عبر رفع مستوى الوعي، والايمان بأهمية التعايش، وإلغاء العنصرية والطائفية، والمجتمع برأيي مستعد لتقبل المهمشين والتعايش معهم عندما يبدأ المهمشون بتنمية أنفسهم والتحاقهم بالوظائف العامة في السلك الحكومي”.

 

كما أنه لتحقيق عملية دمج المهمشين في المجتمع فإن “المقرمي” ترى أن الدولة أيضا مطالبة بتغيير سياستها، واستخدام مبدأ الحكم الرشيد والعمل على تقسيم الموارد العامة للجميع، وعمل وتفعيل قوانين لتحريم وتجريم العنصرية، وتفعيل قوانين التعليم الإجباري ومحاربة التسول وعمالة الأطفال، وكذا شروع الدولة في عمل المشاريع المدرة للدخل، وتنمية وتأهيل مجموعة من المهمشين وتمليكهم مشاريع بإشراف السلطة المحلية، ومثل هذه الخطوات ستساهم في عملية دمج المهمشين داخل المجتمع”.