منصة تاء :إصلاح صالح

عندما أنهت نهى البدوي دراستها الثانوية، بدأت بالاستفسار عن برامج الصحافة في قسم الإعلام بجامعة عدن. لم تكن برامج قوية إذا ما قورنت بكليات الإعلام في البلدان الأخرى، لكنها تدرّس الأساسيات بشكل جيد، وتوفر خبرة عملية.
“في بداية دراستي، وقف أفراد من أسرتي ضد قراري، زاعمين أن الصحافة ليست للنساء. فأعددت نفسي لمواجهة مثل هذا النوع من النقاشات. وكان رد الفعل هذا طبيعيًا وسط مجتمع ذكوري. أخبرتهم أن للنساء الحق في أن يشاركن في أي مجال كان، وبأن علينا أن نتخلص من التقاليد البالية”، تحكي نهى.

التحقت البدوي بالكلية بكل عزم وإصرار على أن تصبح صحفية، وفي المقابل فشلت زميلتها ودّ في إقناع عائلتها بالالتحاق بدراسة الإعلام، لأنها من عائلة “محافظة ومتدينة” حد قولها. وهذه من المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام التحاق الفتيات بقسم الإعلام، أو الالتحاق بالعمل فيما بعد.

تحديات عدة

لا تنتهي معاناة الفتيات اليمنيات الراغبات في دراسة الإعلام بالتخرج ونيل الشهادة الجامعية، إذ لا يجد أغلبيتهن فرص عمل في تخصصاتهن، ويظفر بهن المنزل مجددًا. كما تعاني العاملات في الوسائل الإعلامية اليمنية جملة من العوائق التي تمثل لهن تحديات حقيقية، تحول بينهن وبين الحضور القوي والفعال في القطاع الإعلامي، نتيجة قيود اجتماعية تفرضها عقلية المجتمع الذي يرسّخ صورة نمطية سلبية للمرأة في المجتمع.

ضعف المخرجات

ويُرجِع عبد الرحمن أنيس مدير تحرير صحيفة “١٤ أكتوبر” الرسمية، ضعف الكادر النسائي الإعلامي العامل في المؤسسات الإعلامية في عدن، إلى ضعف مخرجات الجامعات، بسبب الاعتماد على الدراسة النظرية وغياب التطبيق العملي، بينما يرتكز العمل الصحفي أساسًا على الممارسة.

ويؤكد أنيس أن المشكلة عامة ويتشارك فيها الخريجون ذكورا وإناثا، بفارق أن الذكور تكون لديهم فرص أكبر للتطبيق العملي في فترة الدراسة أو بعد التخرج في الصحف والمواقع الإلكترونية الخاصة، وكذا الحصول على نصيب أكبر من الدورات التدريبية أكثر من الإناث.

تهميش

وعلى الرغم من أن قسم الإعلام في جامعة عدن تخرج فيه من 2014 إلى 2019 نحو (175) طالبة إعلام من مختلف تخصصاتها (الإذاعة والتلفزيون والصحافة والعلاقات العامة)، حسب كشوفات حصلنا عليها من القسم، لا يساوي عدد العاملات اليوم في الساحة الإعلامية سوى نسبة بسيطة من هذا العدد للخريجات، فمعظم الإعلاميات في الساحة اليوم تخرجن من كليات غير الإعلام.
وتشكل الإعلاميات في المؤسسات الإعلامية اليمنية نسبة قليلة لا تتجاوز20% مقارنة بالرجال الذين يشكلون نسبة 80%، بحسب دراسة أعدتها الوكالة الفرنسية في 2021؛ إذ يعمل 60% منهن في مجال الإعلام المرئي والمسموع، و40% في مجال الصحافة المكتوبة.

وفي تقرير معلوماتي صدر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في عام 2017م بعنوان “الإعلاميات اليمنيات تحديات في السلم والحرب”، أوضح أن العاملات في الإعلام من النساء يشكلن نسبة 20% من إجمالي العاملين في وسائل الإعلام، و11% من أعضاء نقابة الصحفيين اليمنيين فقط.

وظائف محدودة

من جانبها، أوضحت ليزا الحسني وكيلة وزارة الإعلام اليمني، أن كثيرا من الإعلاميات تركن مجال الإعلام؛ لأنه لا يحقق لهن عائدا ماديا جيدا، تقول شارحة: “القدرة الاستيعابية للتوظيف قليله جدًا في الدوائر الحكومية التي تفضل الإعلاميات العمل بها، فنجد أن عدد اللاتي يُقبلن ويستوعبن محدود جدًا”.

كما ترى الحسني أن عدم الفهم الصحيح لطبيعة العمل الإعلامي ومتطلباته، والصورة السلبية بوصفه بـ”مهنة المتاعب”، لارتباطه بالعمل الميداني والبحث المستمر للحصول على المعلومات الصحيحة من مصادرها الحقيقة، وعدم الثقة بالنفس، كلها أسباب أدت إلى عزوف الشابات عن العمل الإعلامي.

خارج المناصب القيادية

أما فيما يخص حصول المرأة على مناصب قيادية متقدمة، فالواضح أن المرأة حصلت على مناصب في مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وإن كانت النسبة ضئيلة وأقل بكثير مما تستحق، وقد استطاع عدد محدود منهن الوصول إلى مواقع صنع القرار وإلى قمة الهرم الوظيفي في وزارة الإعلام، ومنه منصب وزير إعلام، وإن كان ذلك في ظروف وأسباب استثنائية، لذا لم تستمر معظمهن في مناصبهن إلا لفترة قصيرة جدًا، إذ يُستبعدن لصالح الرجال.

الخوف

وتعتبر مذيعة قناة “الغد المشرق” صفاء السويدي، أن الوضع الأمني غير المستقر والصراع السياسي الذي تمر به البلاد منذ حرب 2015، أهم أسباب عزوف الفتيات عن العمل الإعلامي بعد تخرجهن من الجامعة، وتقول: “تلك الأحداث خلقت حالة من الخوف والهلع فيهن وبين أهاليهن”، وتضيف: “هناك أسباب أخرى قد تدفع الأسرة إلى منع ابنتها من الالتحاق بقسم الإعلام، باعتبار أن هذا المجال خاص بالرجل فقط، معللين ذلك بأن العادات والتقاليد لا تسمح”.

ختامًا يعد العامل الاجتماعي أحد أبرز أسباب الفجوة الكبيرة بين نسبة المتخرجات من كليات الإعلام والعاملات في الوسط الإعلامي، بسبب العادات والتقاليد المتوارثة التي تضع قيودا على عمل المرأة، بحسب سؤال وجه لعدد من الإعلاميات على برنامج التواصل الاجتماعي (الواتساب)، ناهيك عن ظهورها في وسائل الإعلام وعملها ميدانيًا. ومؤخرًا مثّل إنشاء المواقع والمنصات الإلكترونية فرصة لكثير من الإعلاميات لكسر حاجز التهميش.

 

* أُنتجت هذه المادة ضمن مشروع غرفة أخبار الجندر اليمنية الذي تنفذه مؤسسة ميديا ساك للإعلام والتنمية.