كتبته/ أفراح بورجي

 

إذا لم تساعدك الظروف القائمة، يمكنك في الغالب أن تصنع الظروف الملائمة. صفاء الأغبري واحدة من النساء الرائدات في مجال الأعمال اللواتي أنشأن مشاريعهن الناجحة في أصعب الظروف. صفاء بدأت بفكرة بسيطة، حيث استثمرت موهبتها في مجال تصميم الأزياء، وخاصة تصميم العبايات، مستغلة افتقار الأسواق اليمنية لوجود مصممات نساء في عام 2016.

 

محطات صعبة

 

لم يكن من السهل على المرأة أن تصبح سيدة أعمال في ظل تحديات العادات والتقاليد والموروث الثقافي غير الداعم لاقتحام النساء سوقًا يهيمن عليه الرجال. واجهت صفاء الأغبري العديد من هذه التحديات، وقالت خلال حديثها لمنصة هودج: “عندما قررت نقل عملي من منصات التواصل الاجتماعي إلى أرض الواقع من خلال فتح محل خاص بي في صنعاء، اصطدمت بعدد من الحواجز، مثل رفض بعض أصحاب المحلات التعاقد مع امرأة لا ينوب عنها رجل، وصعوبة تقبل المجتمع لفكرة عمل خياطين من الرجال في محل تديره امرأة. لكن إرادتي وإصراري واستمرار محاولاتي ساعدتني في تجاوز تلك التحديات.”

 

وفي صنعاء، قدمت روان طلبًا للتسجيل في كلية طب الأسنان بجامعة صنعاء بعد تخرجها من المدرسة الثانوية، لكن نتائج اختبارات القبول لم تكن في صالحها، فاتجهت لدراسة العلاقات العامة في كلية الإعلام. فتحت دراسة الإعلام أمامها آفاقًا جديدة، وساعدتها وسائل التواصل الاجتماعي على التحول من محبطة إلى ملهمة مؤثرة، ما مكنها من بناء جمهور واسع.

 

استفادت روان من شعبيتها على السوشال ميديا في الترويج لبعض المنتجات والشركات وبناء رأس مال مناسب لتحقيق قفزة أوسع، فقررت إنشاء مشروع عمل خاص بها. في عام 2022، أسست روان شركة “براند ميديكال” المتخصصة في استيراد وتجارة مستلزمات الأسنان وبعض المستلزمات الطبية الأخرى، وبدأت تصب جهدها في تنمية ذلك المشروع. قالت روان في حديثها إلى منصة هودج إن طريقها لم يكن مفروشًا بالورد، وتابعت: “في بداية تفاعلي على منصات التواصل الاجتماعي تعرضت لضغوط من قبل بعض الأهل والأقارب، ولم يكن هناك تغيير نحو سنة ونصف حتى تمكنت من تجاوز ذلك بفعل عملي في ترويج المنتجات وتحقيق عائد جيد.” تملك روان اليوم عددًا من حسابات التواصل الاجتماعي لترويج بضاعتها كما تملك ترخيصًا رسميًا للعمل في مجال الاستيراد.

 

الاستقلال بوابة النجاح

 

من الصعب تحقيق مستوى معيشي أفضل دون استقلالية مالية، بحسب رائدات الأعمال في اليمن. تقول صفاء الأغبري: “عندما بدأت التفكير في بدء مشروعي الخاص، كان الناس يفقدون وظائفهم ولم تعد الوظائف مجدية أو مضمونة الاستمرار، خاصة في ظل انقطاع المرتبات. لذا، رأيت أن الحل يكمن في تحقيق الاستقلالية المالية”. وأضافت: “التحديات والصعوبات تكون قوية في البداية، لكنها تصبح ذكريات محفزة وشعورًا ممتعًا بمجرد تحقيق النجاح. علينا أن لا نستسلم وأن نستمر في المحاولة.”

 

إنجازات رغم العوائق

 

وتواجه رواد الأعمال العديد من التعقيدات مثل الوضع السياسي والاقتصادي، وانهيار العملة وتقلبات سعر الصرف وما يصنعه كل ذلك من عوائق أمام استيراد المواد الخام والمستلزمات والأدوات، وشحة الحصول على عمالة احترافية وماهرة بسبب هجرة ونزوح الكثير منها. إلى جانب تعقيدات الاستيراد والتصدير نتيجة الحرب والحصار، صعوبات عاشتها كل من صفاء وروان لكنهما تتفقان على أن “إنجاز كل خطوة يجعل من التالية أقرب وأقل صعوبة”.

وبرغم تلك التعقيدات فقد وصل عدد سيدات الأعمال المسجلات في الغرف التجارية والصناعية في صنعاء إلى قرابة 1900 سيدة أعمال وفق إحصائيات عام 2022. وتملك صفاء وروان اليوم ليس فقط مشاريع تجارية خاصة، بل وعلامات تجارية خاصة بهن ما يجعلهن أكثر تميزًا في السوق المحلية ويفتح لهن أبوابًا للتوسع خارج الحدود كما هو حال صفاء التي باتت تصدر منتجاتها إلى بلدان مجاورة.

 

سيدات الأعمال والسلام في اليمن

 

يقاس السلام بمدى ما يتحقق من استقرار ورفاهية في حياة المجتمع، وتمثل الاستقلالية الاقتصادية واحدة من أهم الطرق إليه. وتلعب سيدات الأعمال في اليمن دورًا مهمًا في التعافي الاقتصادي على طريق السلام. وبهذا الشأن، أوضحت الأغبري أن النساء اليمنيات خلال فترة الصراع ساهمن في السلام بأشكال عديدة، وعلى مستوى سيدات الأعمال فقد ساهمن في تحقيق قدر من الاستقرار لأسرهن وأسر العاملين والعاملات في مشاريعهن، كما ساهمن في تزويد السوق بعدد من المنتجات والخدمات.

 

من جهتها، قالت المختصة في اقتصاد فوركس والعملات الرقمية، زهور السعيدي، في حديثها لمنصة هودج، إن المرأة اليمنية وخصوصًا سيدات الأعمال لعبن دورًا ملموسًا في إنعاش الاقتصاد وخلق فرص عمل في مراحل سابقة، لكن إسهاماتها تنامت أكثر خلال سنوات الحرب. وأوضح مدير الغرفة التجارية في محافظة الحديدة، محمد عبد الواحد الحطامي، أن سيدات الأعمال أصبحن يستطعن الحصول على عضوية الغرفة كما يستطعن الحصول على علاماتهن من قسم العلامات التجارية بوزارة الصناعة والتجارة كي يزاولن أعمالهن في أجواء صحية قانونية آمنة.

وأشار الحطامي في حديثه لمنصة هودج إلى الأهمية البالغة لهذه العلامات التجارية كونها تحافظ على المنتج من التقليد، وتساعد في التمييز بين المنتجات ليتمكن المستهلك من الحصول على ما يبحث عنه وسط المنتجات المشابهة.

 

منظور اقتصادي

 

الصورة ليست متفائلة كثيرًا من نظر المختص الاقتصادي ورئيس تحرير صحيفة “التنمية اليوم”، معتز إقبال، الذي يرى أن رائدات الأعمال في اليمن ما يزلن يعملن في نطاق محدود، نظرًا لغياب البيئة الحاضنة. مرجعًا ذلك إلى أن اليمن ما يزال في حالة صراع مدمر منذ عام 2015 وحتى الآن، ما يزيد من الأزمات والتحديات الاقتصادية حيث لا فرق كبير بين الأوضاع في 2015 وبينها خلال عام 2024 حد وصفه. لكن إقبال يعتبر ظهور تلك المشاريع الصغيرة التي تأسست من قبل رائدات أعمال يمنيات خطوة على الطريق الصحيح.

 

ودعت زهور السعيدي إلى تشجيع رائدات الأعمال وتوفير بيئة داعمة لنمو مشاريعهن وتذليل الصعوبات أمامهن كي يتمكن من تنمية وتوسيع مشاريعهن وإسهاماتهن في بناء الاقتصاد الوطني.

 

نشرت هذه المادة في منصة هودج