تعز – محمد شرف
ليس من السهل عليهنّ العمل في بيئة كاليمن، يتعرضنّ فيها لمختلف الانتهاكات من قتل واعتقال وملاحقة، خاصة في ظل الحرب المستمرة في البلد، إلا أن أول شهيدة منهنّ كانت دافعًا لأخريات لمواصلة السير في طريق الحقيقة.
في التاسع من نوفمبر من العام الماضي اغتيلت المصورة الصحفية، رشا الحرازي، وجنينها الذي كانت في طريقها إلى المستشفى لتضعه، بعبوة ناسفة زرعت في سيارة زوجها الذي أصيب هو الآخر بجروح بالغة.
اغتيال الحرازي لم يكن الانتهاك الأول ضد الصحفيات في اليمن، لكنه كان الأشد بشاعة كما تصفه الصحفية منى سرحان، مؤكدة: “لم تتعرض رشا وحدها لتلك الجريمة، تضررنا جميعًا كصحفيات، إذ فضلت أسرتي أن أتوقف عن العمل على أن يعيشوا في قلق يومي من تعرضي لجريمة مشابهة”.
انتهاكات بلا رادع
الصحفية عبير عبدالله هي الأخرى تعرضت لانتهاك تمثل في الاعتداء اللفظي وإطلاق النار في الهواء، لترهيبها أثناء تصويرها تقريرًا تلفزيونيًا لقناة فضائية في مديرية صالة شرق مدينة تعز، من قبل “مجموعة متطرفة”.
توضح عبير: “وقتها لم نتمكن من إنجاز التقرير لأننا كنا مجبرين على الانسحاب من المنطقة حفاظًا على أرواحنا”.
وتؤكد عبير أنه لا توجد أي حماية للصحفيات، مشيرة إلى أنها قدمت بلاغًا للأجهزة الأمنية وذهبت لتوثيق الحادثة لدى المنظمات التي ترصد الانتهاكات، “ولم تكتمل القضية حتى اليوم على الرغم مرور أشهر على الحادثة”.
مخاوف وخذلان
في بداية عملها، تعرضت آفاق الحاج، وهي صحفية شابة تقدم برنامجًا على قناة تلفزيونية، لتهديدات عديدة حاولت أن تثنيها عن العمل، لكنها رأت في تلك التهديدات دافعًا إضافيًا لمواصلة عملها في “إظهار الحقيقة إين ما كانت”.
وعن تأثيرات ما تعرضت له، قالت عبير: “بقيت لفترة تتجاوز الشهر غير قادرة على الخروج من المنزل لممارسة عملي، ورافقني شعور شديد بالخوف والقلق من التعرض لأي اعتداء”.
وفي حين تعبر عن صدمتها من تعامل القناة التي كانت تصور لها التقرير، والتي “لم تهتم بتوفير سبل الحماية لي، واكتفوا بإبلاغي بعدم رفع أي إيميل رسمي، وأنهينا الموضوع بالواتس”، تؤكد عبير: “كصحفية لا توجد لدي أي معرفة بوجود آليات حماية وطنية، وهو ما أعتقد أنه غائب تمامًا”.
من جانبها، ترى آفاق أن “أبرز الانتهاكات أو بالأصح التحديات التي تتعرض لها الصحفيات في اليمن هي النظرة المجتمعية، لعملهنّ في بيئة ذكورية والتقليل من أدوارهنّ”.
رصد غير مكتمل
وثق مرصد الحريات الإعلامية 39 انتهاك ضد الصحفيات خلال فترة الحرب، بحسب مسؤول الرصد، كنان محرم، الذي يؤكد أن “الواقع أكثر بكثير من هذه الأرقام، فالكثير من الانتهاكات التي تمارس ضد الصحفيات لا يتم الإعلان عنها أو نشرها من قبل الصحفيات خوفًا على حياتهنّ وسمعتهنّ، مما يصعّب علينا رصدها وتوثيقها”.
ويرى محرم أن الانتهاكات “تضع الصحفية وأسرتها في وضع نفسي وإنساني صعب”، مشيرًا إلى أن “ما يسمى بالعادات والتقاليد المجتمعية تمثل عائقًا كبيرًا أمام الصحفيات لممارسة عملهنّ الصحفي بكل حرية، مما جعل الكثير منهنّ يتوقفنّ عن العمل أو يلتزمنّ الصمت”.
ويؤكد محرم: “صمت الصحفيات جعل الأطراف تتمادى في التجاوزات والإساءات بحق الصحفيات دون الخوف من العواقب”.
بلا ملجأ
لم يكن لرنا عدنان -اسم مستعار- أي جهة تلجأ إليها إلا الأهل، في مواجهة الانتهاكات التي تتعرض لها، موضحة أن أبرزها “رسائل التهديد التي كانت تحاول منعي من الاستمرار في عملي الصحفي، وخاصة بسبب بعض المواد التي تناولتها ويراها البعض أنها مسيئة للمجتمع، وعلى الرغم من أنها حقوقية ومجتمعية، إلا أنها كانت تثير حفيظتهم”.
وعلى الرغم من أنها لم تكن تتجاوب مع الرسائل ولا ترد عليها، لكنها تضررت كثيرًا، كما تقول، مضيفة: “هناك العديد من القضايا التي نخاف كصحفيات من تناولها والتطرق إليها، وإن قررنا النشر عنها فنلجأ لاستخدام أسماء مستعارة، تجنبًا للمخاطر التي قد تلحق بنا جراء نشر هذه المواد”.
انتهاكات ومخاوف
مسؤول الرصد بمرصد الحريات الإعلامية أكد، من جهته، أن “الصحفيات في اليمن يعملنّ في بيئة صعبة للغاية، في ضل استهداف ممنهج ضد الصحفيين بمختلف الأساليب والطرق”، مشيرًا إلى أن أبرز أشكال الانتهاكات التي تتعرض لها الصحفيات هي “الاعتقال، والاعتداء اللفظي والجسدي، إلى جانب الابتزاز والتنمر، والخوض في أعراضهنّ، وتشويه سمعتهنّ عبر المنصات الإلكترونية والإعلامية المتنوعة”.
وترى رنا أن “الخوف من الانتهاكات يضعف دورنا كصحفيات، ويمثل حاجزًا أمام ممارسة عملنا بحرية وأمان”.
وتتفق الصحفية أحلام المقالح مع رنا، مضيفة: “أكثر الانتهاكات تتمثل في التنمر الإلكتروني، والتهديدات، والسب والشتم، وخطاب العنف والكراهية في وسائل التواصل، وهو ما يضعف أدوار الصحفيات”.
مطالب عاجلة
تؤكد رنا: “لا توجد آليات وطنية لحماية الصحفيات وكذلك الصحفيين”، إلا أنها تنوه إلى “بعض الجهود التي يفترض الأخذ بها وتطويرها لحماية الصحفيات، وتقديم الدعم المادي والمعنوي، وتوفير حماية قانونية، وكافة أنواع الحماية التي تمكنهنّ من ممارسة عملهنّ الصحفي”.
وتطالب أحلام بـ “سن قوانين تجرم الانتهاكات، وتضع عقوبات بالغة ضد مرتكبيها، خاصة فيما يتعلق بالانتهاكات الرقمية التي لم تتضمنها القوانين كليًا، وأيضًا تدريب الصحفيات على حماية أنفسهنّ والسلامة الجسدية والنفسية”.
ويقول محرم: “يفترض أن القضاء الوطني وكافة أجهزة الضبط هي الآلية الوطنية المباشرة في حماية الصحفيات من كل الانتهاكات والممارسات التعسفية، إلا أن أطراف الصراع أضعفت هذه الأجهزة، وغيبت قوانين حماية الصحفيات”.