كتبت| لطيفة الظفيري

تعد النساء اليمنيات الأكثر حرصًا على إنهاء الصراع في اليمن والوصول إلى سلامٍ عادل. ففي خضم الحرب، تدخلت العديد من النساء لإخماد الخلافات والصراعات، وشاركن في الوساطة المجتمعية وحظين باحترام المجتمع، وكسرن النظرة النمطية التي تحدد أعمالهن.

رهام الدجة، 25 عامًا، واحدة من النساء اليمنيات اللاتي شاركن في الوساطة المحلية، تنتمي إلى عزلة الروض مديرية الخلق بمحافظة الجوف التي تبعد عن العاصمة صنعاء 143 كيلو مترًا. نشأت رهام في بيئتها البدوية القبلية التي يُحترم فيها دور المرأة في حل النزاع، تقول رهام: “المجتمع هنا يحترم المرأة ويثق بقراراتها، وشكّل ذلك فرصة لي للخوض في الوساطة، حيث إن لدينا عرفًا قبليًا يعتبر من العيب عدم احترام رأي المرأة عندما تتدخل في حل مشكلة، وألا يستمع لها الأطراف”.

وأوضحت في حديثها لمنصة هودج أن “المرأة البدوية تُعرف بفطنتها وحكمتها في اتخاذ القرارات، وتملك دراية وفهمًا عميقين بالأعراف والتقاليد القبلية في الحكم”. لذا، تُعد رهام جزءًا لا يتجزأ من نساء محافظتي الجوف ومأرب، حيث تنشط النساء في حل النزاعات، بدءًا من النزاعات الأسرية والعائلية مرورًا بالنزاعات بين أفراد القبيلة الواحدة وصولًا إلى النزاعات بين القبائل، بما في ذلك النزاعات الناجمة عن الثأر.

اليمنيات في الوساطة

تُعد عمليات السلام باعتبارها مسارات مختلفة تمثل مختلف مستويات المجتمع التي تساهم في جهود السلام، وللتمثيل العادل من المهم إشراك النساء في المفاوضات. توضح الصحفية والناشطة، وداد البدوي، أنه لا وجود لأي جهود تبذل من أجل الربط بين الوساطة المحلية وطاولة المفاوضات التي ترتبط بشكل مباشر بأطراف النزاع، إلا أنه يوجد رابط إلى حد ما بالمسار الثاني لعملية بناء السلام.

وأضافت البدوي في حديثها لمنصة هودج أن “مكتب المبعوث الأممي في اليمن حاليًا يركز بشكل كبير على المسار الأول، وأن الوساطة المحلية تنجح إلى حد كبير أفضل من المفاوضات، لأن الوساطة المحلية لا تخضع لأبعاد ومصالح سياسية كتلك التي تتعلق بأطراف النزاع التي تسعى للسلطة والثروة. فهي مرتبطة بخلافات محلية لها علاقة مباشرة بحياة أفراد المجتمع”.

ووفقا للدجة، فإن إحدى النساء من مدينة الجوف ساهمت في العام 2017 وبدافع الإحساس بالمسؤولية والحرص على سلامة المدنيين، بنقل الجبهة من مديرية المتون عزلة “المزوية” التي يسكنها آلاف المدنيين إلى الجبال البعيدة عن التجمعات. مضيفة أن أطراف النزاع وافقت على نقل المكان بعد تدخل تلك المرأة المعروفة بدورها في حل النزاعات منذ ما قبل الحرب.

ومنذ صغرها تعمل الدجة في حل النزاعات العائلية والمدرسية، وفي العام 2023 عملت بشكل منظم في الوساطة المحلية، حيث نجحت في عدد من الوساطات، منها إعادة التيار الكهربائي في آذار/مارس 2024 في مديرية الخلق التي استمر انقطاعها لأكثر من ثلاث سنوات، وشاركت في حل خلاف بين النازحين والمجتمع المضيف في مخيم آل عتيق. وفي منتصف العام 2023، شاركت ضمن فريق من 12 شابًا وشابة “6 نساء” من محافظتي مأرب والجوف بعمل قاعدة بيانات المفقودين خلال الحرب، حيث تم توثيق 235 حالة، بحسب ما أفادت الدجة.

جهود دعم المرأة

اتجه المجتمع الدولي بشكل متزايد نحو إشراك المرأة في عملية الوساطة وبناء السلام في النزاعات، حيث أقرت الأمم المتحدة عددًا من القرارات التي تدعم هذا الاتجاه، منها القرار 1325 لعام 2000، والقرار 1206 لعام 2013، واللذان أقرا بدور المرأة الفاعل في منع النزاعات وحلها على قدم المساواة مع الرجل.

وأشارت البدوي إلى أن أغلب النساء الوسيطات المحليات لا يتمتعن بتعليم جيد، ولسن ضمن قوائم الناشطات المدنيات، وأن جهودهن هي جهود قبلية بحتة نسائية نابعة من الحاجة، والكثير منهن لم يتم تسليط الضوء على نجاحاتهن.

وأوضحت الدجة أن عدم توفر الدعم الفني واللوجستي للوسطيات المحليات من أهم التحديات التي تواجههن، والتهميش لأدوار النساء الوسيطات. مشيرة إلى أن هناك تهميشًا لدور الوسيطات من قبل الجهات الدولية والمحلية، على الرغم من الأثر الإيجابي الذي أحدثته الوسيطات.

تحديات وفرص

تمكنت العديد من النساء اليمنيات من لعب دور بارز في مجال الوساطة المحلية، حيث تجاوزت الكثير منهن العقبات والصعوبات، بل وتحدت الحساسيات الاجتماعية والسياسية، من خلال العمل ضمن إطار الأعراف الاجتماعية القائمة. لقد اضطلعت المرأة اليمنية بدور رئيسي في الوساطة لحل النزاعات، بدءًا من العائلة والقبيلة وصولًا إلى المجتمع، مما عزز ثقة المجتمع المحلي في دورها.

وأشار رئيس منظمة وسطاء الإنسانية للتنمية، هادي جمعان، إلى أن المرأة وفقًا للأعراف اليمنية الأصيلة، تعتبر عماد المستقبل وجسرًا لإحلال الكثير من النزاعات. وقال: “المرأة هي مفتاح لكل صوت، حيث نواجه أحيانًا تحديات كبيرة مع القيادات القبلية ولا نجد حلًا إلا من خلال المرأة القريبة منهم، وخاصة تلك التي تتمتع بإدراك ووعي بأهمية حل النزاع”، وذلك في حديثه لمنصة هودج.

ومن جانبها، أكدت البدوي أن “الأعراف الاجتماعية تحترم جهود النساء. ففي مأرب، المعروفة بطابعها القبلي، هناك احترام شديد للوسيطات المحليات، حيث يتم دائمًا سماع أصوات النساء في حل النزاعات وفض الخلافات، وغالبًا ما تحظى هذه الجهود بتقدير المجتمع أكثر من صناع القرار السياسي في اليمن”.

تأمل الدجة في تأسيس مؤسسة تهتم بمجال السلام والوساطة والتنمية في محافظة الجوف لاستكمال مسيرتها مع نساء الجوف الداعيات للسلام.

تم نشر هذه المادة في منصة هودج