منصة تاء :عبير عبدالله

“رفضت عائلتي أي تدخل جراحي لاستئصال ورم سرطاني حميد في المهبل وحتى عنق الرحم أعاني منه حتى لا أفقد عذريتي رغم الآلام الحادة التي كنت أعاني منها أسفل البطن” تقول ألطاف البنت العشرينية، التي تسكن في إحدى أرياف مدينة تعز، التي رفضت عائلتها أي تدخل جراحي لإزالة الورم في مراحله الأولى بعد تشخيص حالتها في بداية الأمر من قبل الأطباء، وفضلت تلقيها جرعات العلاج الكيماوي، الذي لم يجد نفعا في حالتها اليوم، ولم يكن لديهم خيار آخر بدلا من إجراء أي عملية جراحية تتسبب بفقدان عذريتها أو استئصال الرحم وإن كانت نتائجها بطيئة جدًا.

مشاعر الخوف التي سيطرت على عائلة ألطاف ألا يتقبل المجتمع بفتاة لم تعد صالحة للزواج أو تبقى دون زواج، وإن كان الأمر خارج عن إرادتها، منعتها من القبول بخيار إجراء عملية جراحية لاستئصال الورم.

ففي الوقت الذي تفرض فيه العادات والتقاليد نفسها في معظم القرى والمدن اليمنية والتي باتت هي المتحكم الأول والأخير في كافة الجوانب الاجتماعية التي تخص الفتاة بقيت حياة ألطاف على المحك، تضيف بحسرة: “بعد سنة ونصف اكتشفت أن السرطان انتشر وتوسع بشكل أكبر من السابق بعد إجراء التحاليل الأخيرة والأجهزة، تم اكتشاف وجوده أيضًا بالمستقيم والمثانة وأجزاء كبيرة من الرحم وأصبح في مراحله الأخيرة، أصبحت حالتي النفسية سيئة، أتمنى لو أموت وأرتاح من هذا العذاب والوجع”.

المصدر: مركز الأورام السرطانية عدن – 2023

المصدر: مركز الأورام السرطانية صنعاء – 2023

المصدر: مركز الأورام السرطانية تعز – 2023

تقف العادات والتقاليد حجر عثرة أمام النساء اليمنيات المصابات بسرطان عنق الرحم، حيث تضطر الفتاة العازبة المصابة بمقايضة صحتها بعذريتها، وهي تدرك أن المجتمع لن يقبل فتاة فقدت عذريتها لأي سبب من الأسباب وإن كان السبب صحيا بحتا، ما يضاعف من معاناتهن، حيث يضطررن للحفاظ على عذريتهن والاستسلام لما سيكتبه القدر.

وإضافة إلى العادات والتقاليد يقف الوضع الاقتصادي الصعب حائلا بين النساء المصابات بالسرطان  والتشافي منه ، حيث أن معظم المصابات لا يملكن المال الكاف لسفرهن إلى الخارج وإجراء عمليات ليزر بحيث يحافظن على عذريتهن، حيث لا يوجد هذا النوع من العمليات في المستشفيات والمراكز الطبية في اليمن.

فضلت الطلاق على الموت

سهيلة أمين، 35 عاما أم لطفلين انفصلت عن زوجها بعد قرارها استئصال الرحم، لا تختلف قصتها كثيرا عن ألطاف، بعد أن تم تشخيص إصابتها بوجود كتلة ورم خبيث بجدار الرحم وبمرحلته الثالثة والذي سبب لها نزيف وألم في البطن وعند التبول مع خروج إفرازات مهبلية متكررة.

في بادئ الأمر تملك الخوف سهيلة بعد حديث الطبيبة خاصة وأنها لن تنجب بعد استئصاله، وهو ما لم يتقبله زوجها، فبحسب طبيبتها فأن حالتها لا تستدعي التأخير مع ضرورة التدخل الجراحي لإزالة الرحم بأكمله قبل حدوث الانتشار.

تقول سهيلة: “كان زوجي يفضل الجرعات الكيماوية بدلا عن التدخل الجراحي لإزالة الرحم رغم شرح الطبيبة له أن حالتي الصحية تستدعي تدخلا جراحيا عاجلاً وفورياً ، وأن نتائج الجرعات الكيماوية ستكون بطيئة  وقد تأخذ أشهر طويلة لن تجدي نفعا في الوقت الحالي ، مما قد يؤدي إلى انتشار السرطان وتوسعه بشكل أكبر خلال وقت قصير  ووصوله إلى خارج الرحم والمهبل، والمبيضين، والمثانة، والمستقيم، أو أنسجة أبعد، غير أنه رفض ذلك بحجة أنه ما يزال يريد المزيد من الأطفال”. 

قلة وعي

تقول الدكتورة شروق المنصوب الطبيبة المتخصصة بالنساء والولادة، في مدينة تعز أن “غالبية الأسر تفضل الكشف عبر جهاز الإلتراساوند بدلا من فحص الفتاة مهبليا لأخذ مسحة أو عينة للفحص، بسبب العادات والتقاليد، والخوف من فقد الفتاة لعذريتها، خاصة أن معظم الحالات تستدعي تدخلا جراحيا تفقد معه الأنثى بكارتها، ويتم تحديد العلاج وفقًا لحجم الورم، سواء دوائي أو جراحي ، رغم تأكيدنا للأسر أننا سنمنح بناتهن تقريراً طبيا يثبت فقد العذرية بسبب التدخل الجراحي الذي لابد منه، إلا أنهم يرفضون تحت مبرر ما يسموه بالعار، وهذا دليل قلة الوعي الصحي لدى الأسر”.

وتضيف المنصوب “للأسف تنتشر الأورام بسرعة كبيرة لدى النساء في حال التأخر بالتدخل الجراحي، ويبدأ الورم بالانتشار والتوسع في جميع أجزاء المرأة أو الفتاة العزباء، وقد يؤدي إلى الوفاة المبكرة “.

وتؤكد المنصوب أن ما يزيد معدلات الإصابة بين النساء، هو نقص التوعية بأهمية الكشف المبكر لاكتشاف الأورام، خاصة وأن بعض أنواع السرطانات تصيب النساء غالباً بعد انقطاع الدورة الشهرية، مما يؤدي إلى أن تشتكي المريضة نزيفاً يستمر لفترات طويلة وألم مستمر ، مما يعرضهن لاستئصال كامل للرحم وقناة فالوب والمبيضين والمثانة وعنق الرحم، فالثقافة المجتمعية تفرض على النساء عدم الشكوى من الأمراض الخاصة بالجهاز الجنسي.

عائق مادي

“ما كان في معنا فلوس كفاية نسفر ابنتنا القاهرة ونعمل لها عملية ليزر لاستئصال الورم، بدل التدخل الجراحي اللي بيفقدها عذريتها، كل اللي كان معنا يكفينا نعالجها هنا باليمن فقط ، ونعمل جرعات كيماوي، لكن هذي حكمة الله” تقول “أم أمل” التي فقدت ابنتها ذات الثلاثون عاما بعد قرابة العامين من إصابتها بسرطان المهبل والمثانة وتلقيها العلاج في محافظة صنعاء. 

تضيف بألم، “كان عندي يقين وأمل أنه مع جرعات العلاج الكيماوي راح تتعافي بنتي لكن السرطان كان سريع الانتشار فكل أسبوعين يزداد 6:5 مللي وهو الذي لم أتوقعه”.

أنقذها الوعي

في محافظة عدن كان محمد أنور الرجل الخمسيني يرفض الاستمرار بمشاهدة ابنته وهي تعاني من ألم مستمر في منطقة الحوض ونزيف أثناء الدورة الشهرية منذ تسعة أشهر ، وبامتلاكه للوعي، اتخذ القرار الأنسب .

فهو أب لابنة وحيدة أتت بعد سنوات طويلة ولكنها أصيبت بالسرطان، يقول محمد “أخبرني الطبيب أن ابنتي مصابة بسرطان المهبل وأنه قد بدأ بالانتشار إلى المثانة والمستقيم وأن ذلك يحتاج إلى تدخل جراحي، وفحص مهبلي وقد يعرضها ذلك الفحص لفقدان عذريتها، في بادئ الأمر أنتابتني مخاوف أن يكون تشخيص خاطئ خاصة ونحن نسمع في اليمن عن حالات كثير تم تشخيصها غلط “.

ويضيف محمد: “قررت أوديها عند طبيب ثاني وثالث ووديتها صنعاء وكان التشخيص موحد عند الجميع خاصة وأن الأعراض التي لديها تدل على إصابتها المؤكدة بالسرطان، لم أتردد في ذلك فسلامة ابنتي فوق كل شي”. موضحًا: “لم يتجاوز عمر ابنتي الخامسة والعشرين من العمر لكن اتخذت القرار الصح بالوقت الصح حتى وإن كانت الخسارة بفقدان عذريتها لكن أهم شي صحتها وطالما معها تقرير طبي من المستشفى  فخلاص يكفي ماعاد باقي “.

إمكانات منعدمة

تنتشر بعض الأورام السرطانية بين أوساط النساء والفتيات العازبات على نطاق واسع في اليمن كسرطان عنق الرحم والمثانة والمستقيم والمهبل  وغيرها ،مما يعرضها لفقدان العذرية وحرمانها من تلقي العلاج .

فغالبية الحالات تعيش  مخاوف  تتمثل بالعادات والتقاليد وضعف الموارد المالية التي تمنعهن من السفر خارج اليمن لإجراء عمليات الليزر التي تجنبهن فقدان العذرية، وغير ذلك فرض الأسر على معظمهن الخضوع للعلاج الكيماوي بدلا من التدخل الجراحي أو الفحص المهبلي للتأكد من وجود الأورام السرطانية، لتتزايد مخاوفهن بشكل أكبر وحرمانهن من فرص الزواج والأمومة بعد استئصال الرحم  وثبوت إصابتهن بالسرطان، فيما البعض فرضت عليهن العادات والتقاليد المجتمعية الشعور بالخوف من فقدان عذريتهن بسبب الإصابة، لتلجأ بعض الأسر خوفا من ذلك لتزويجهن مبكرا حتى لو كن قاصرات أو حرمانهن من الزواج بعد الشفاء بسبب فقدان غشاء البكارة.

 

ووفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية الذي أصدرته في العام 2021 ”  اليمن – ملامح سرطان عنق الرحم ” ، فأن كل 10 نساء مصابات بسرطان عنق الرحم  تخضع امرأة واحدة للفحص الطبي وذلك  خلال السنوات الخمس الأخيرة ، في حين  تجاوز عدد الوفيات المصابات بسرطان عنق الرحم أكثر من  مئة امرأة. كما أن التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري – المسبب الرئيسي لسرطان الرحم – غير مدرج في جدول التطعيم الوطني اليمني .

نظرة قاصرة

وتظل النظرة المجتمعية هي الحائل الأول دون تعافي هؤلاء النسوة، اللواتي وضعهن القدر بين مطرقة الإصابة بسرطان عنق الرحم والمستقيم والمثانة وسندان الخوف من فقدان العذرية دون زواج.

في هذا الجانب يتحدث دكتور علم الاجتماع عبدالكريم غانم بالقول إن النظرة الاجتماعية العامة في اليمن تكاد أن تختزل المرأة في جهازها التناسلي، فأي إصابة للمرأة أو الفتاة في هذه المنطقة الحساسة من جسمها تجعلها فاقدة لأهليتها، كزوجة مستقبلية”.

وأضاف غانم أن أسباب هذه النظرة ترتبط بالثقافة الذكورية والنظرة الدونية للمرأة، ففي مجتمع تقليدي، يسود فيه الفقر، كالمجتمع اليمني يُنظر للفئات الاجتماعية الضعيفة نظرة دونية، وفي مقدمة هذه الفئات النساء والفتيات، حيث يتم اختزال وجودهن وحقهن في الحياة بمدى قدرتهن على تحقيق أدوارهن الوظيفية في خدمة الرجال وإشباع رغباتهم”.

وأوضح غانم أن مسألة الحفاظ على العذرية تحظى بأهمية كبيرة في المجتمع اليمني، الذي يعلي من شأن قيمة الشرف، ويختزل هذه القيمة بالحفاظ على غشاء البكارة، دون الأخذ في الاعتبار أي جوانب إنسانية أخرى، كإنقاذ حياة الفتاة أو المرأة المصابة بسرطان الرحم، وفقدان الفتاة لعذريتها بسبب استئصال الرحم سيجعلها تبدو مشكوك في شرفها، في ظل هيمنة المفاهيم التقليدية للثقافة الذكورية في المجتمع”.

ويستدرك غانم، إلا أن هذه النظرة المجتمعية غير المتسامحة مع ضحايا سرطان الرحم من الفتيات يمكن تغييرها من خلال التوعية الثقافية، عبر وسائل الإعلام التقليدي: كالتلفزيون والراديو، ووسائل الإعلام الحديثة، كمواقع التواصل الاجتماعي”.

 

تم إنتاج هذه المادة ضمن مشروع تعزيز أصوات النساء من خلال الإعلام الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.