سميرة عبداللطيف – منصة تاء

تسود أوساط المجتمع اليمني معتقدات ومفاهيم ترى أن من وظيفة الرجل الإنفاق على العائلة، وأن وظيفة المرأة هي رعاية المنزل والأطفال، وإذا كانت تعمل نتيجة حاجة فإن ذلك لا يرفع عنها عبء الرعاية، لذلك تواجه ازدواجية الأدوار، ونتيجة المورثات الاجتماعية التي تقلل من شأن المرأة ودورها الرعائي، اصبحت تنظر إلى نفسها بعدم ثقة بقدرتها على العمل في المجال العام، وبالتالي يقل وعي المرأة بذاتها وقدرتها وأهمية دورها..

إضافة إلى ذلك يلاحظ بأن المجتمع اليمني قد حصر مجالات العمل التي باستطاعة المرأة اليمنية دخولها مسبقا، كالتعليم والطب على سبيل المثال، لذلك نرى الفتيات بشكل عام يتجهن نحو التعليم الأكاديمي ومجالات محددة مسبقا مما أسهم بانخفاض وجودها في جميع المجالات.

تاريخيا ذكر اسمها في كتب الديانات السماوية بصاحبة العرش العظيم ،وعرفت بسدادة الرأي والعلم والحكمة، وجسدت قصتها النقوش القديمة (الملكة بلقيس)

تقلدت المناصب السياسية في الدولة، وتمتعت بالسلطة الفعلية إلى جانب زوجها وقامت بأدوار اجتماعية واقتصادية هامة في الحياة العام ( أسماء بنت شهاب )

خاضت صراعات سياسية ودينية، وقادت الجيوش، وتولت الحكم لمدة نصف قرن من الزمن، فازدهر عصرها ببناء المساجد، وشق الطرق، وتطوير الزراعة، إلى جانب نجاحها كـأم وزوجة (أروى بنت أحمد الصليحي)

تفاصيل نضالية، لنساء يمنيات، سطرت بحياتهن مكانة المرأة اليمنية عبر التاريخ فلماذا تتراجع مكانتها في وقتنا الراهن ؟
تلعب المرأة عموماً دورًا محوريًا في نهضة المجتمعات القديمة والحديثة، وقد أثبتت من خلال أدوارها قدرتها على التغيير الإيجابي في تلك المجتمعات، فحضورها اللافت في مختلف جوانب الحياة وإصرارها على الوقوف بجانب الرجل ومساندتها له دليل على كونها عنصرًا أساسيًا في إحداث عملية التغيير في المجتمع، فلا توجد تنمية اجتماعية دون مساواة كاملة بين الجنسين والقضاء على كافة أشكال التمييز، ولا استدامة بيئية دون دور فاعل للنساء كرائدات أساسيات للتغيير.

تكمن خطورة قلة نسبة المشاركة ليس في تعطيل العملية التنموية فحسب، بل وفي انتهاك حق المرأة بالعمل، وفي تحديد خياراتها وقراراتها، إذ تشير العديد من الدراسات إلى أن مشاركة المرأة في القوى العاملة في البلدان النامية، تساهم في رفع قدرة المجتمع على تحمّل الصدمات الاقتصادية، عدا عن إبقاء التفكك الاجتماعي في حدوده الدنيا.

وتأتي أهمية مشاركة المرأة اليمنية في القوى العاملة لتوسعة خيارات المرأة اليمنية وقراراتها، وتأكيدًا على حقها في المشاركة الفاعلة في الاقتصاد، وبالتالي تنعكس تأثيراتها الإيجابية على المجتمع بشكل مباشر، وتقلل من الضغط المجتمعي والاقتصادي.
وقد لا يواجه خروج المرأة من المنزل لحاجة اقتصادية إشكالية كبيرة في المجتمع اليمني فعلى الرغم من تأثير الحرب الدائرة في اليمن على المرأة والعنف الذي يمارس ضدها، إلا أن الكثير من النساء اليمنيات لم يقفن مكتوفات الأيدي، بل ناضلن طويلا واستطعن أن يجدن لأنفسهن مكانة معروفة في الأوساط المحلية والدولية.

لكن خروج المرأة في ظل ضعف الحماية القانونية والتشريعية، والحاجة لسياسة حكومية مشددة وتدريجية، يحتاج إلى توعية مجتمعية بأهمية مشاركة المرأة في سوق العمل، وكذلك الحاجة لتقوية ثقتها بذاتها وزيادة مهارتها وكفاءتها؛ لكي لا تتعرض المرأة للاستغلال من قبل أرباب العمل، وللمواجهة المنفردة مع المجتمع بأعرافه التي تقلل من قيمة مشاركة المرأة في العمل والحياة العامة، ولا تسمح لها بحرية الاختيار في القضايا المتعلقة بها.

فكون المرأة عضوا في المجتمع فيجب أن تكون شريكة في إدارة المجتمع وتحمل شؤونه، وكونها تقوم بالأعمال المنزلية لا يجب أن يلغي دورها الاجتماعي؛ لأنّها شريكة الرجل في تحمل المسؤولية، إلا أن الإشكالية قائمة بخصوص الوضع الاقتصادي المتدهور، فتؤدي الحاجة الملحة للإنفاق على العائلة في العديد من الأحيان إلى خروج المرأة إلى بيئة عمل خطرة، والنساء كما الرجال يتعرضن للعنف من قتل وتشريد واعتقال، لكن تأثير هذا العنف على المرأة يكون مضاعفًا لأنه يترافق مع شعورها بالفقدان، سواء للزوج أو الأخ أو الابن، الأمر الذي جعلها معيلة للأسرة.

بناء على ما سبق، لا بدّ من إيجاد بدائل لضمان زيادة نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل، والتأكيد على أن دور الإنجاب والرعاية الذي تمارسه النساء هو عمل أيضًا، يجب أن يكون مقدّرًا من الناحية الاقتصادية والمجتمعية، ومع أنَّ معالجة الفروق بين الجنسين في معدلات المشاركة في قوة العمل مازالت شاغلا رئيسيا في العديد من البلدان فإن الأهم من ذلك هو التركيز على نوعية الوظائف المتاحة للنساء، إذا كان لهذه الوظائف أن تصبح ذات طابع تحويلي مؤثِّر على تمكين النساء.

كما أن إتاحة وظائف جيدة تتسم بأنها مستقرة ولائقة وآمنة ومنتجة أمر بالغ الأهمية من منظور المساواة بين الجنسين ، إضافة لفرض عقوبات على التمييز بين الجنسين في الوظائف، وسن قانون لمكافحة التحرش الجنسي في أماكن العمل.

إن التغيير الايجابي الذي تسعى له المجتمعات مرهون بشكل كبير بواقع المرأة ومدى تمكنها من القيام بأدوارها في المجتمع، فهي تشغل دورا أساسيا في بناء أسرتها ورعايتها لها من خلال ما يقع على عاتقها كأم من مسؤولية تربية الأجيال، وما تتحمله كزوجة من أمر إدارة الأسرة.

ومع تقدم المجتمعات وتطورها نجد أن المرأة لم تلتزم فقط بواجبها تجاه أسرتها وتربية الأبناء بل أصبح لها دورًا اجتماعيًا كبيرًا في شتى المجالات، وبناءً على مؤهلاتها العلمية والثقافية والاجتماعية تنوعت أدوارها في المُجتمع على مُختلف الأصعدة.

ففي ظل حالة النمو والتقدم التي تشهدها المجتمعات نحتاج إلى كلّ الجهود والطاقات المجتمعية للتنمية ، فإذا جمّدنا دورها الاجتماعي فقد خسرنا نصف طاقة المجتمع على اعتبار أن المرأة نصف المجتمع من حيث التأثير في النشأة والتكوين، فهي الأم والأخت والزوجة والجدة والمعلمة والمربية والعاملة و…إلخ، وعلينا أن نكرم المرأة بمنحها كافة حقوقها لكي تستطيع أن تنخرط في شؤون البناء والتنمية على نحو فعال وحيوي فأي مشروع للمستقبل لا تحتل قضية المرأة اليمنية مركزا متقدما فيه سيكون مشروعا ناقصا لمستقبل أعرج “فالمرأة مستقبل الإنسان”.