وسام محمد : منصة تاء 

كانت السمة البارزة في نضال المرأة اليمنية في ثورة 14 أكتوبر ضد المستعمر البريطاني قبل اندلاع الثورة وفي اثناءها، تتمثل في أنها كانت جزء فاعل في العمل النضالي العام. ليست مصادفة، أن دور المرأة في الأحداث العامة، لا يبرز إلا مترافقا مع بروز دور مختلف فئات المجتمع. عندما يكون هناك عدو لا يفرق بين الرجال والنساء، ويعادي مختلف فئات الشعب، فإن القضية المركزية للمرأة تصبح في مواجهة هذا العدو. وهو ما حدث تماما بالنسبة للمرأة في ثورة أكتوبر. 

 

لقد اشتركت المرأة في قيادة المظاهرات المنددة بممارسات السلطات الاستعمارية سواء تلك التي تكون موجهة للمجتمع بالعموم أو عندما كانت تمارس تمييز وتحرم فتيات عدن من حقهن في التعليم. حيث كان التمييز على مستوى عدد المدراس المخصصة للفتيات مقارنة بالذكور وعلى مستوى مناهج التدريس.

 

لكن المرأة لم تتقوقع في هذا الإطار، بل كانت منخرطة بشكل كلي في عملية النضال الشامل. تحرض وتتظاهر وتجمع التبرعات وتوزع المنشورات، وصولا الى تهريب الأسلحة والاشتراك في القتال. وكن قيادات وفاعلات في منظمات نسوية وفي أحزاب بمهام وأدوار حقيقية وليس مجرد ديكور كما هو الحال في واقعنا اليوم.

 

لقد كان وضع المرأة في جنوب اليمن خلال النصف الثاني من القرن العشرين متقدما مقارنة بوضعها في كثير من الدول العربية، كانعكاس لدورها الفاعل في الثورة، ولأن القوى التي تصدرت قيادة الكفاح المسلح، قوى ذات توجهات يسارية وقومية بمدلول تقدمي، فمنذ لحظة الثورة الاولى أتاحت المجال للمشاركة الواسعة للمرأة، سواء من خلال المظاهرات ومساندة العمل المسلح بمختلف أشكال المساندة أو حتى من خلال الاشتراك المباشر في القتال. فهناك كثير من الفدائيات التي شاركن في ثورة أكتوبر التي اندلعت في جنوب اليمن ضد الاحتلال البريطاني في 14 أكتوبر 1963 واستمرت حتى 30 نوفمبر 1967. 

 

تلك القوى الثورية في جنوب اليمن ونتيجة لمنطلقاتها الشعبية والتقدمية، بعد انتصارها بدحر الاحتلال البريطاني، صنعت تحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية كبيرة، في جزء كبير منها كان يصب في مصلحة المرأة وفي تحسين وضعها التاريخي، سواء عندما يتعلق الأمر بحقوقها ووضعها الأسري أو عندما يتعلق الأمر بالصحة والتعليم والعدل الاجتماعي.

 

لا يمكن فهم الواقع الحالي للمرأة اليمنية، دون فهم السياق العام للوضع الذي تعيشه اليمن، وفهم السياق التاريخي الذي وجدت فيه المرأة اليمنية خلال مراحل مختلفة. اليوم لا يوجد دور حقيقي ومؤثر للمرأة، وهناك أطراف مختلفة تعاديها وأخرى تهمشها ولا تقيم لها وزنا. هل لأنهم لم يقرؤوا التاريخ؟ هل بسبب الثقافة التقليدية التي عادت وطغت ومحت كل ما صنعته المرأة اليمنية منذ فجر الثورتين سبتمبر واكتوبر وخلال العقود الأولى لتأسيس الدولة الوطنية وحتى ثورة فبراير؟ أم لأن المرأة استسلمت؟

 

اليوم هناك مقاومة مسلحة تواجه الثورة المضادة التي قادها الحوثي وحليفه صالح قبل ست سنوات، في محاولة لتجاوز كل الإنجازات التي تحققت على مختلف المستويات ومنها ما تحقق من تحسن في وضع المرأة وما أنتزعتها في مختلف المحطات وكأن آخرها في ثورة فبراير.

 

عوضا عن كون جماعة الحوثي لديها عداء جذري للمرأة بحكم طبيعتها العنصرية والرجعية. فهي تقسم المجتمع الى طبقات. وتريد ان تحكم اليمن بالحق الألهي ومن منطلق سلالي. وهذا هو المجال الحيوي لنضالات المرأة اليمنية اليوم بوصفها نصف المجتمع وصاحبة مصلحة في الدفاع عما حققته طوال عقود والبناء عليه. لا يمكن تغير واقع المرأة دون تغير قواعد الواقع.

 

لكن ما يمنع المرأة من القيام بدورها المفترض، هو أن القوى التي تتصدر مواجهة المشروع الحوثي، في معظمها تشارك جماعة الحوثي ذات الموقف من المرأة، إلى جانب احتكارها للعمل المسلح وعدم اتاحة المجال لمختلف القوى والقطاعات الشعبية لتقوم بدورها حتى تتعدل الكفة لصالح قيم الحق والعدل والحرية الذي سينعكس بدوره على وضع المرأة والأهم سيفتح لها المجال واسعا للمشاركة. فالقاعدة تقول: أن تحرير الجماهير لا يتحقق الا بفضل جهودها الواعية.

 

بالطبع هذه جريمة مزدوجة بحق المرأة والمجتمع، وان كان هناك من عليه ان يتحمل وزرها، فهو القوى المحسوب انها تقدمية، فموقفها شبه المحايد في الصراع القائم، وابتعادها عن ميدان الفعل، يجعل كل أنجاز تاريخي تحقق في اليمن طوال أكثر من نصف قرن في مهب الريح، وليس فقط ما كان قد تحقق خلال ثورة فبراير عندما يتعلق الأمر بالمرأة اليمنية أو ما كان قد بذر خلال ثورة أكتوبر ونبت بعد ذلك وتعرض لموجات من العواصف والارتدادات الحادة.