أمل عبدالله ــ منصة تاء

كانت السعادة تغمر سحر “اسم مستعار” بعد أن استطاعت اقناع أسرتها الريفية بالالتحاق بقسم الاعلام، لتنتقل إلى المدينة للدراسة الجامعية وهي تشعر بالزهو كونها خطت خطوتها الأولى لتحقيق حلمها.

 

في أول أسبوع من دراستها الجامعية قامت الفتاة الريفية بإنشاء حساب لها في موقع التواصل الاجتماعي، وقامت بوضع صورتها الشخصية في بروفايل الحساب، ولم تمر إلا أيام قليلة لتصاب بانهيار عصبي بعد أن وجدت نفسها ملاحقة بتعليقات السب والشتم والألفاظ البذيئة تعليقا على صورتها التي ظهرت فيها وهي ترتدي الحجاب وليس فيها ما يعاب.

 

تقول “سحر” لـ”منصة تاء” لم أتمالك نفسي وأنا أقرا التعليقات التي كانت عبارة عن ألفاظ بذيئة تسبني وتسب أسرتي وتصفني أنني بلا أدب وبلا تربية، بالاضافة إلى تعليقات تسخر من شكلي وتستحقرني، وتتهمني بأني أريد إغراء وغواية الشباب”
وتضيف “سحر” تفاجأت أن بعض المعلقين الذين مارسوا التنمر ضدي وقاموا بسبي وشتمي كانوا من أبناء قريتي حيث ذكروا اسم والدي في التعليقات واتهموه بأنه لم يحسن تربيتي، وقاموا بذكر أسماء أمي وأخواتي وقذفنا، وكنت أقرا هذه التعليقات وأنا أبي، وقبل أن أنتهي من قراءتها أصبت بانهيار نفسي”.

 

أمام حملة التنمر الالكتروني البشع الذي تعرضت له، لم تجد الفتاة الريفية سحر إلا إلغاء حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، والتوقف عن دراستها الجامعية والعودة إلى قريتها، بعد أن دفنت حلمها بأن تكون صحفية، خاصة أنها آمنت أنها أضعف من مواجهة مجتمع يعج بالذئاب البشرية.

 

ومعظم اليمنيات في مواقع التواصل الاجتماعي يقعن ضحايا للتنمر الالكتروني وخاصة الصحفيات والناشطات والسياسيات، حيث يتعرضن لحملات مختلفة من التنمر التي تتنوع بين السب والشتم ومهاجمة الحياة الشخصية والقذف وصولا إلى التهديد بالتصفية الجسدية.

 

السياسية والناشطة الحقوقية المحامية عفراء حريري كانت واحدة من السياسيات والحقوقيات اللواتي تعرض لحملة تنمر ممنهجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي نتيجة بعض المواقف السياسية والحقوقية التي اتخذتها، حيث هدفت حملة التنمر لكسرها وإخضاعها، ولكونها محامية، فقد أخذت “حريري” القضية إلى الأمن العام وقامت بعمل بلاغ ورفعت الأسماء ورفعت أرقام التليفونات لكن ـ كما قالت ــ خُذلت للأسف الشديد، لأن المحاكم حينها مُضربة.

 

وقد علقت الناشطة “حريري” على الحملة بالقول ” إذا أراد أحد أن يضرب النساء خاصة الناشطات الحقوقيات أو السياسيات فعليه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. لأن الناس في العالم الافتراضي هذا حصروا أنفسهم في هذا المجال فبدلا من أن يسعى للبحث عن حقيقة هذه الشخصية التي تضررت في الفيس أو تاريخها أو غيره، فهو يكتفي فقط بما حصل في الفيس، والشيء الآخر أن معظم متابعي العالم الافتراضي هم من اليمنيين الذين هم خارج البلد فبالتالي الذي تصله الإشاعة يصدقها مباشرةً لأنه غير موجود”.

 

قد لا تكون أسباب التنمر هي إدعاء المتنمر دور الدفاع عن الفضيلة، أو القيد الدينية والأعراف والتقاليد المجتمعية، كما قد تكون أسباب سياسية تهدف لإخضاع وإسكات صاحب رأي سياسي مخالف، بل قد تتعدى ذلك إلى ممارسة التنمر الالكتروني كإنعكاس للثقافة العنصرية التي يمتلكها المتنمر، حيث تتعرض العديد من اليمنيات للتنمر نتيجة لون البشرة.

 

الناشطة ذكرى “اسم مستعار” تتعرض للتنمر الالكتروني بشكل دائم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بسبب لون بشرتها السمراء، حيث تصفها معظم التعليقات بأنها “خادمة” وهو مصطلح عنصري يتم إطلاقه في معظم المناطق اليمنية على نساء فئة المهمشين التي تمتاز بلون أبنائها السمراء.

 

تقول “ذكرى” في حديثها لـ”منصة تاء” طبعا منذ بداية إدراكي لنفسي وأنا أتعرض للتنمر بشكل مباشر من قبل أبناء الحارة وكذا من الناس المارة في السوق، وأحيانا من نساء، يصفونني بألفاظ عنصرية بسبب لون بشرتي، وفي البداية كنت أتضايق جدا ومع الوقت أصبحت أتعايش مع الأمر بالتعامل معه باعتباره مزحة، وما ساعدني على ذلك هو انخراطي في العمل المجتمعي”
وتضيف “ذكرى” لكن مع دخول وسائل التواصل الاجتماعي صار الأمر بالنسبة لي أكثر ازعاجا، وذلك بسبب الكم الهائل من التنمر الذي أتعرض له في وسائل التواصل الاجتماعي من قبل شخصيات غير معروفة بما في ذلك بعض الحسابات الخاصة بالنساء والتي تعلق في صفحتي بألفاظ عنصرية”.

 

وتؤكد “ذكرى” لا أخفيك أن الأمر بات يصيبني بحالة نفسية صعبة تتمثل في اهتزاز الثقة بالنفس رغم محاولاتي المتكررة أن أكون قوية، وأن أتعامل مع المتنمرين بتطنيش ولا مبالاة، لكن حين أفكر أني أعيش في مجتمع متوحش، مجتمع لا ينظر إلى ما أقوم به من أعمال ولا يتعامل مع مواقفي ولا مع آرائي ولا يرى مني غير لون بشرتي فهذا ما يجعلني أشعر بالانهيار فعلا”.